04 - 10 - 2025

انتباه | من بحر البقر إلى تل الهوى: لهذا لن ننسى يا إبراهيم

انتباه | من بحر البقر إلى تل الهوى: لهذا لن ننسى يا إبراهيم

"ما تقعدش تقولي بقى إيه... إحنا مش هننسى اللي عملوه في بحر البقر! ليه ما ننساش؟ .. بجد! .. ليه ما ننساش؟"
هكذا يتساءل إبراهيم عيسى، بنبرة أرادها ساخرة، لكنها تفتح بابًا خطيرًا: باب النسيان. كأن التذكّر صار عبئًا، وكأن الذاكرة الوطنية تُعامل كعاطفة زائدة يجب استئصالها.

أقول لك يا إبراهيم لماذا لا ولن ننسى؟

أولًا، لأن الحرب ما زالت قائمة، ما زالت إسرائيل تقصف غزة، وتدك سوريا، وتستبيح لبنان، وتقتل في الضفة. وتدير أشرس وأقذر حرب إبادة في غزة؟

ألا يكفيك هذا لكي لا تنسى؟

كيف يُطلب منا أن ننسى والعدو نفسه مستمر في جرائمه؟ مجزرة بحر البقر لم تكن إلا فصلًا من كتاب دم مفتوح إلى اليوم، كتاب لا يريدون لنا أن نقرأه، ولا أن نُعلّمه لأطفالنا، ولا أن نُدوّنه في وعينا.

ثانيًا، لأن إسرائيل نفسها لا تنسى. لا تنسى روايتها عن التاريخ، ولا تنسى ما تعتبره "حقوقًافي أرض ليست أرضها، ولا تنسى ما تسميه "أرض الميعاد" استحضروا ذاكرة مزيفة ليصنعوا منها واقعًا أكثر تزييفًا.

كيف تطلب ـ يا إبراهيم ـ من الضحية أن تمحو ذاكرتها بينما الجلاد يعيش ويتحرك ويقاتل من ذاكرته المصنعة؟ 

كيف تطلب منّا أن نُفرّط في الذاكرة بينما الآخر يُقاتل بها، يُفاوض بها، يُشرعن بها اغتصابه للأرض والتاريخ؟

ذاكرتنا ليست ترفًا، بل سلاحًا. والنسيان ليس حيادًا، بل بداية استسلام. ومن يطالبنا بالنسيان، لا يخدم الحقيقة، بل يخدم من يخشون الحقيقة.

"ليه ما ننساش؟"، هذا ليس مجرد استفهام بريء، بل محاولة لتفريغ الذاكرة الوطنية من معناها، وتحويلها إلى عبء عاطفي يُستحسن التخلص منه. 

هذا النوع من الخطاب لا يُعيد النظر في التاريخ بصدق، بل يُعيد إنتاج منطق التبرير، ويُمهّد لتطبيع النسيان.

الذاكرة الوطنية ليست حائط مبكى، بل جدار مقاومة. وهي ليست مجرد سرد، بل موقف. 

إن من يطالبنا بالنسيان، يطلب ضمنًا أن نُساوم على الدم، أن نُعيد كتابة التاريخ بأقلام المعتدين، أن نُفرّط في الحق مقابل راحة زائفة. لكننا نعرف أن النسيان لا يُفضي إلى السلام، بل إلى إعادة إنتاج الظلم في صور جديدة.

لن ننسى. لأن التذكّر فعل مقاومة، ولأن الذاكرة ليست عبئًا على الحاضر، بل بوصلته. والنسيان توهة. 

وبالمناسبة، إبراهيم عيسى لن ينسى هو الآخر… لا ينسى أنه بات خارج الأضواء، يعيش مأساة الظل التي لا تُحتمل وطأته فبعد أن اعتاد أن يكون في قلب المشهد، صار يختنق في الهامش، ويبحث عن فتات الضوء بأي ثمن. ولهذا سيظل يشاغب، ويطرح كل غريب ومستهجن، لا لعمق الفكرة بل لشدّ الأنظار، وتضييق مساحة الظل الذي لم يألفه بعد. فالمشكلة لديه ليست في تغييب الذاكرة، بل في غياب الكاميرا.
---------------------------------
بقلم: محمد حماد

مقالات اخرى للكاتب

انتباه | من بحر البقر إلى تل الهوى: لهذا لن ننسى يا إبراهيم